كيف تجعل الآخرين يتعاونون معك؟
إن من طبيعة الإنسان أن يعتزَّ برأيه، وأن يتحمس لفكرته.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تحاول أن تجرع غيرك فكرتك ورأيك فيتحمسوا لها ويقوموا بها؟
ثم ذكر مثالاً على ذلك، وهو أن صاحب مصنع تدنى إنتاج العمال فيه تدنياً شديداً فجمعهم وكافأهم واعتذر عن تقصيره معهم في السابق. وقال: ماذا أنتظر منكم بعد ذلك، فهنا تنافس العمال وكل واحد منهم ذكر له أنه سينتج في اليوم كذا وكذا.
ومثال آخر أن رزفلت -لما كان محافظاً لنيويورك أراد أن ينتقي شخصاً يشغل عنده منصباً هاماًّ، دون أن يختلف مع أعضاء حزبه، فقام فدرس عدداً من الرجال البارزين وعرف إيجابياتهم وسلبياتهم، ثم جمع أعضاء الحزب وطلب منهم الترشيح فكلما ذكروا رجلاً قال فيه ما يعرف من الإيجابيات والسلبيات، حتى رشحوا له صاحبه الذي أراد فذكر لهم إيجابياته وسكت عن سلبياته.
الخلاصة: إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين، فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة فكرته.
ثم قال: الرجل العاقل هو الذي إذا شاء أن يتصدر الناس جعل نفسه خلفهم، إن البحار والأنهار أوطأ من الوديان والجداول، ومع هذا فهي تتلقى الجزية من مياهها.
لاشك أن الكثير من الناس يكرهون ممارسة الأستاذية عليهم ويمتعضون بالمخاطبات الفوقية ويكرهون التعالي عليهم.
وقد مقت الإسلام هذا الأسلوب في التعامل واعتبر هذا المسلك إذلالاً وتعبيداً للناس كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «مذ كَم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!»(1).
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم - وهو المسدد الذي لا ينطق عن الهوى – بالشورى فقال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(2)، وهو درس لأمته جميعاً بالبعد عن الفردية والاعتزاز بالرأي.
إن مشاورة المدير للعاملين معه ترفع من قدره عندهم ويضيف أفكاراً إلى أفكاره ويصبح يفكر بعقل مجموع، ويتحمس الجميع لرأيه ويرون أنه رأيهم جميعاً.
قال بعض السلف: «من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء؛ فالرأي الفذ ربما زل، والعقل الفرد ربما ضل».
قول ابن حزم: «استعن في أمورك بمن يريد منها ما تريد»
الفصل 15 - العرض أقوى من المناقشة على أنهما ليسا في موضوع واحد
(1) رواه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 290).
(2) آل عمران: 159.
الكاتب: د. يحيى بن إبراهيم اليحيى
__________________